رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا بدّ من التّلبُث عندها للتأمل 🧠 في مبتغاها لما تظهره استفسارتها من معان وتفسيرات عدة بإمكانها رسم خارطة طريق لحياة الإنسان وفكره واتخاذه وجهة أو مسارًا معينًا في عالم مليء بمفاهيم ومعتقدات مختلفة في التفكير والرؤى والاعتبارات.
ذهب بعض العلماء إلى أن المراد من العبارة أن يستخبر الإنسان نفسه:
من أين جئت قبل الكون؟
وفي أين أنا في هذا الكون؟
وإلى أين ذاهب بعد الكون؟
إشارة إلى أصل وجوده وحالة روحه قبل خلقها في الجسد المادي، ووجوده الحالي في عالم الدنيا، ومصيره النهائي الذي ينتظره بعد الموت 🕯️.
واتجه آخر أن الغاية منها أن يفكر المرؤ في كل قضية يريد أن يقدم عليها ابتداءً
من أين سأنطلق؟ ومن أين سأبدأ؟
وما الهدف الذي أريد أن أحققه؟ 🎯
وإن تباين المفسرون في رأيهم حول القصد منها فإنها تشير إلى أهمية تفّكر الإنسان في أبعاد خلقه وسبل تحقيق الهدف من وجوده لكي لا تتداخل في ذهنه الاتجاهات الفكرية والسلوكية وكذا الآراء والمعتقدات بفروقها وتناقضاتها، فيتخذ مسارا مغايرا للهدف الأسمى من وجوده في هذه الحياة، ويقع فريسة الغفلة والأهواء، وتتغلب عليه المذاهب والثقافات وظلمات الفكر والشبهات، وتأخذ بقلبه بعيدًا عن طريق النجاة.
ومن هذا المبدأ يدعونا رب العزة والجلال إلى التّفكر:
"وفي أنفسكم أفلا تبصرون" 👁️
"أو لم ير الإنسان إنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين"
لما لتفكر الإنسان في كيفية خلقه مزودًا بالعقل والقدرات التي تميّزه عن غيره من المخلوقات من أثر يقوده إلى معرفة الله واليقين بوحدانيته وخشيته، بل يحيي قلبه بالإيمان ويدفعه إلى طاعته والاستعداد للحياة الآخرة.
ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال:
"نظرت إلى السماء فتعجبت من بنائها، وإلى الأرض فدهشت من انتشارها، وإلى الموتى كيف يبلاها، وإلى الأحياء كيف يعبها، وإلى الأجناس كيف يكثرها، وإلى أنواع الرزق كيف يقسمها، ففكرت في نفسي فقلت أنا مخلوق وأنت الخالق، فكيف لي أن أحيط بك علما؟"
ويقول الإمام الصادق عليه السلام:
"تفكر ساعة خير من عبادة سنة، إنما يتذكر أولو الألباب" 🔍
فتفكر الإنسان بصورة وافية في خلق الله، وصنعه إياه، وما مرّ بها ويمضي إليها من عوالم أمدها بعيد، يقوده إلى إدراك عظمة الخالق، وتنمية الوعي الروحي لديه، وفهمه لطبيعة نفسه وروحه، وأصل وجوده، ولما هو راحل إليه، ودرايته بالصراط المستقيم الذي يتوجه إليه ويكفل له الرحمة الإلهية.