Skip to Content
"وقوفا بشواهد القبور" 🪦
icon Yasser Al Ghareeb
07 أكتوبر 2025

author

تحيطُ بي شواهدُ القبورِ، كنتُ أعرفُ القليلَ منهمْ سابقًا، واليومَ كم فاضَ الرَّدَى ! فتنحني ذاكرتي من عددِ الذينَ غادروا الحياةَ فجأةً. وهذهِ أسماؤهُمْ تُشيرُ لي. تخللَ الصمتَ انسكابُ الماءِ 💧، والشفاهُ في ظِلِّ الوداعِ تمتمتْ بسورةِ الفاتحةِ 📖، المكانُ نفسُهُ المكانُ غيرَ أنـَّهُ هنا يبدو لنا مختلفًا، كأنما المقبرةُ امتدّتْ بها مسافةٌ زاحفةٌ أكثرَ ممَّا ينبغي وأوشكتْ أن تترامى خارجَ الأسوار.

في حقبةٍ ماضيةٍ - لم تبتعدْ عنا كثيرا من هنا - كانتْ تدوِّي عاليًا مكبِّراتُ الصوتِ 🔊، تملأ الفضاءَ رهبةً، لحظةَ إعلانِ الوفاةِ، إنه الصوتُ الذي نُصغي إليه جيّدًا، فتهرعُ الناسُ جميعًا رغبةً في الأجرِ والثواب. واليوم في شاشاتنا الصغيرةِ 📱 انطوى الزمانُ فائضًا بالوَفَيَاتِ دونَ أنْ نشعرَ أنَّ

هذهِ الحياةَ ساعةٌ رمليةٌ ⏳، شيئا فشيئا تعلنُ الزجاجةُ السُّفَلى امتلاءَهَا فتستحيلُ قبرًا جاهزًا ينتظرُ القدوم.

كُنَّا نظنُّ أنَّ كلَّ شيءٍ ثابتٌ، لا يقبل التغييرَ في محيطِنا؛ من فرط ما اعتدنا عليه دائمًا، كانتْ جذوعُ النخلِ في بيئتنا وفيةً 🌴؛ فطالما تركَّزَتْ في طرفي القبرِ انتماءً خالصًا، كأنها تحرسُهُ، والآنَ قد تبدلتْ فحلَّتِ الأخشابُ في مكانِها. ما أعظمَ النخلةَ! كمْ أدّتْ على أكملِ وجهٍ ماعليها طيلةَ الزمان !! حتى الرخامُ لمْ يَعُدْ كعهدهِ السابقِ نقشا باقيا، فها هنا اللوحات قد تشكلت من صور الماضين 🖼️، كلما لمحنا طيفها أعادت القلوب مجرى الذكريات من جديد.

شاهدةُ القبرِ لها أكثرُ من معنى يحوم حولنا؛ يرنو إليها (السيمياءُ) باعتبارها علامةً قابلةً للكشفِ والتحليلِ من رموزِها، والأثريونَ اقتفوا نقوشَها 🔍؛ لعلَّها ترشدُهم يوما إلى حضارةٍ بائدةٍ، والشعراءُ كلما مروا بها تفجرتْ قريحةُ الإحساسِ بالوجود.

ماهذه القطعةُ إلا آخرُ الأشياءِ في الدنيا، كما لو أنها رسالةٌ مفتوحةٌ نقرؤها كأنما سطورُها لا تنتهي، أو سيرة ٌذاتيةٌ من صرخةِ الميلادِ حتى حشرجاتِ الموت، أو أيقونةٌ تقاومُ النسيان 🕯️.